فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تتناجوا بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَةِ الرسول وتناجوا بالبر والتقوى}.
اعلم أن المخاطبين بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} قولين، وذلك لأنا إن حملنا قوله فيما تقدم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى} [المجادلة: 8] على اليهود حملنا في هذه الآية قوله: {يا أيها الذين آمنوا} على المنافقين، أي يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم، وإن حملنا ذلك على جميع الكفار من اليهود والمنافقين، حملنا هذا على المؤمنين، وذلك لأنه تعالى لما ذم اليهود والمنافقين على التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، أتبعه بأن نهى أصحابه المؤمنين أن يسلكوا مثل طريقتهم، فقال: {فَلاَ تتناجوا بالإثم} وهو ما يقبح مما يخصهم {والعدوان} وهو يؤدي إلى ظلم الغير {ومعصية الرسول} وهو ما يكون خلافًا عليه، وأمرهم أن يتناجوا بالبر الذي يضاد العدوان وبالتقوى وهو ما يتقي به من النار من فعل الطاعات وترك المعاصي، واعلم أن القوم متى تناجوا بما هذه صفته قلت: مناجاتهم، لأن ما يدعو إلى مثل هذا الكلام يدعو إظهاره، وذلك يقرب من قوله: {لاَّ خَيْرَ في كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصلاح بَيْنَ الناس} [النساء: 114] وأيضًا فمتى عرفت طريقة الرجل في هذه المناجاة لم يتأذ من مناجاته أحد.
ثم قال تعالى: {واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي إلى حيث يحاسب ويجازي وإلا فالمكان لا يجوز على الله تعالى.
{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)}
قوله تعالى: {إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان لِيَحْزُنَ الذين ءامَنُواْ} الألف واللام في لفظ {النجوى} لا يمكن أن يكون للاستغراق، لأن في النجوى ما يكون من الله ولله، بل المراد منه المعهود السابق وهو النجوى بالإثم والعدوان، والمعنى أن الشيطان يحملهم على أن يقدموا على تلك النجوى التي هي سبب لحزن المؤمنين، وذلك لأن المؤمنين إذا رأوهم متناجين، قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا وهزموا، ويقع ذلك في قلوبهم ويحزنون له.
ثم قال تعالى: {وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ الله} وفيه وجهان: أحدهما: ليس يضر التناجي بالمؤمنين شيئًا والثاني: الشيطان ليس بضارهم شيئًا إلا بإذن الله، وقوله: {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فقيل: بعلمه وقيل: بخلقه، وتقديره للأمراض وأحوال القلب من الحزن والفرح، وقيل: بأن يبين كيفية مناجاة الكفار حتى يزول الغم.
ثم قال: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} فإن من توكل عليه لا يخيب أمله ولا يبطل سعيه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ}
نهى المؤمنين أي يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود فقال: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} أي تساررتم.
{فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ} هذه قراءة العامة.
وقرأ يحيى بن وثّاب وعاصم ورويس عن يعقوب {فلا تَنْتجُوا} من الانتجاء {بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَةِ الرسول وَتَنَاجَوْاْ بالبر} أي بالطاعة {والتقوى} بالعفاف عما نهى الله عنه.
وقيل: الخطاب للمنافقين؛ أي يا أيها الذين آمنوا بزعمهم.
وقيل: أي يا أيها الذين آمنوا بموسى.
{واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي تجمعون في الآخرة.
{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان} أي من تزيين الشياطين {لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ} إذ توهموا أن المسلمين أصيبوا في السرايا، أو إذا أجروا اجتماعهم على مكايدة المسلمين، وربما كانوا يناجون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبيّ صلى الله عليه وسلم {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ} أي التناجي {شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي بمشيئته وقيل: بعلمه، وعن ابن عباس: بأمره.
{وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} أي يكِلون أمرهم إليه، ويفوّضون جميع شؤونهم إلى عونه، ويستعيذون به من الشيطان ومن كل شر؛ فهو الذي سلّط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا ولو شاء لصرفه عنه.
الثانية: في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد» وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه» فبيّن في هذا الحديث غاية المنع وهي أن يجد الثالث من يتحدّث معه كما فعل ابن عمر؛ وذلك أنه كان يتحدّث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعًا، فقال له وللأوّل: تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة.
خرجه الموطأ، وفيه أيضًا التنبيه على التعليل بقوله: «من أجل أن يحزنه» أي يقع في نفسه ما يحزن لأجله.
وذلك بأن يقدّر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنه لم يروه أهلًا ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من أُلْقِيات الشيطان وأحاديث النفس.
وحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان معه غيره أَمِن ذلك؛ وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحدٍ ولا عشرة ولا ألف مثلًا؛ لوجود ذلك المعنى في حقه؛ بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون بالمنع أولى.
وإنما خص الثلاثة بالذكر؛ لأنه أوّل عددٍ يتأتى ذلك المعنى فيه، وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور.
وسواء أكان التناجي في مندوبٍ أو مباح أو واجب فإنّ الحزن يقع به.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أوّل الإسلام؛ لأن ذلك كان في حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإسلام سقط ذلك.
وقال بعضهم: ذلك خاص بالسفر في المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه، فأما في الحضر وبين العمارة فلا؛ فإنه يجد من يعينه، بخلافِ السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم المغيث. والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} في أنديتكم وفي خلواتكم.
{فَلاَ تتناجوا بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول} كما يفعله المنافقون، فالخطاب للخلص تعريضًا بالمنافقين، وجوز جعله لهم وسموا مؤمنين باعتبار ظاهر أحوالهم.
وقرأ الكوفيون، والأعمش، وأبو حيوة، ورويس {فلا تنتجوا} مضارع انتجى، وقرأ ابن محيصن {فلا تناجوا} بادغام التاء في التاء، وقرئ بحذف إحداهما {وتناجوا بالبر والتقوى} بما يتضمن خير المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم {واتقوا} فيما تأتون وما تذرون {الله الذي إِلَيْهِ} وحده لا إلى غيره سبحانه استقلالًا أو اشتراكًا {تُحْشَرُونَ} فيجازيكم على ذلك.
{إِنَّمَا النجوى} المعهودة التي هي التناجي بالإثم والعدوان والمعصية {مِنَ الشيطان} لا من غيره باعتبار أنه هو المزين لها والحامل عليها، وقوله تعالى: {لِيَحْزُنَ الذين ءامَنُواْ} خبر آخر أي إنما هي ليحزن المؤمنين بتوهمهم أنها في نكبة أصابتهم، وقرئ {لِيَحْزُنَ} بفتح الياء والزاي فالذين فاعل {وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ} أي ليس الشيطان أو التناجي بضار المؤمنين {شَيْئًا} من الأشياء أو شيئًا من الضرر {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي إلا بإرادته ومشيئته عز وجل، وذلك بأن يقضي سبحانه الموت أو الغلبة على أقاربهم {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} ولا يبالوا بنجواهم.
وحاصله أن ما يتناجى المنافقون به مما يحزن المؤمنين إن وقع فبإرادة الله تعالى ومشيئته لا دخل لهم فيه فلا يكترث المؤمنون بتناجيهم وليتوكلوا على الله عز وجل ولا يحزنوا منه، فهذا الكلام لإزالة حزنهم، ومنه ضعف ما أشار إليه الزمخشري من جواز أن يرجع ضمير ليس بضارهم للحزن، وأجيب بأن المقصود يحصل عليه أيضًا فإنه إذا قيل: إن هذا الحزن لا يضرهم إلا بإرادة الله تعالى اندفع حزنهم، هذا ومن الغريب ما قيل: إن الآية نازلة في المنامات التي يراها المؤمن في النوم تسوؤه ويحزن منها فكأنها نجوى يناجي بها، وهذا على ما فيه لا يناسب السباق والسياق كما لا يخفى، ثم إن التناجي بين المؤمنين قد يكون منهيًا عنه.
فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه» ومثل التناجي في ذلك أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث إن كان يحزنه ذلك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
خطاب للمنافقين الذين يظهرون الإِيمان فعاملهم الله بما أظهروه وناداهم بوصف الذين آمنوا كما قال: {من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [المائدة: 41] ومنه ما حكاه الله عن المشركين {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6] أي يا أيها الذي نزل عليه الذكر بزعمه، ونبههم إلى تدارك حالهم بالإِقلاع عن آثار النفاق على عادة القرآن من تعقيب التخويف بالترغيب.
فالجملة استئناف ابتدائي.
ذلك أن المنافقين كانوا يعملون بعمل أهل الإِيمان إذا لَقُوا الذين آمنوا فإذا رجعوا إلى قومهم غلب عليهم الكفر فكانوا في بعض أحوالهم مقاربين الإِيمان بسبب مخالطتهم للمؤمنين.
ولذلك ضرب الله لهم مثلًا بالنور في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17] ثم قوله: {كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا} [البقرة: 20].
وهذا هو المناسب لقوله تعالى: {فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول}، ويكون قوله: {وتناجوا بالبر والتقوى} تنبيهًا على ما يجب عليهم إن كانوا متناجين لا محالة.
ويجوز أن تكون خطابًا للمؤمنين الخلّص بأنْ وجه الله الخطاب إليهم تعليمًا لهم بما يحسن من التناجي وما يقبح منه بمناسبة ذم تناجي المنافقين فلذلك ابتدئ بالنهي عن مثل تناجي المنافقين وإن كان لا يصدر مثله من المؤمنين تعريضًا بالمنافقين، مثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} [آل عمران: 156]، ويكون المقصود من الكلام هو قوله: {وتناجوا بالبر والتقوى} تعليمًا للمؤمنين.
والتقييد بـ {إذا تناجيتم} يشير إلى أنه لا ينبغي التناجي مطلقًا ولكنهم لما اعتادوا التناجي حُذروا من غوائله، وإلا فإن التقييد مستغنى عنه بقوله: {لا تتناجوا بالإِثم والعدوان}.
وهذا مثل ما وقع في حديث النهي عن الجلوس في الطرقات من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن كنتم فاعلين لا محالة فاحفظوا حَق الطريق».
وقرأ الجمهور {فلا تتناجوا} بصيغة التفاعل.
وقرأه رويس عن يعقوب وحده {فلا تنتجُوا} بوزن تَنْتَهُوا.
والأمر من قوله: {وتناجوا بالبر} مستعمل في الإِباحة كما اقتضاه قوله تعالى: {إذا تناجيتم}.